فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب} يقول: وما من أهل الكتاب {إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} يعني بعيسى عليه السلام {قَبْلَ مَوْتِهِ} وذلك أن اليهودي إذا حضرته الوفاة وعاين أمر الآخرة ضربته الملائكة، وقالت له: يا عدو الله أتاك عزير فكذبته، ويقال للنصراني: يا عدو الله أتاك عبد الله ورسوله، وهو عيسى، فزعمت أنه ابن الله، فيؤمن عند ذلك ويقر أنه عبد الله ورسوله، ولا ينفعه إيمانه في ذلك الوقت، ويكون إيمانهم عليهم شهيدًا يوم القيامة.
وروي عن مجاهد أنه قال: ما من أحد من أهل الكتاب إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام قبل موته، فقيل له: وإن غرق أو احترق أو أكله السبع يؤمن بعيسى عليه السلام؟ فقال: نعم.
وروي أن الحجاج بن يوسف سأل شهر بن حوشب عن هذه الآية فقال إني لأوتى بالأسير من اليهود والنصارى، فآمر بضرب عنقه، وأنظر إليه في ذلك الوقت فلا أرى منه الإيمان، فقال له شهر بن حوشب: إنه حين يعاين أمر الآخرة يقر بأن عيسى عبد الله ورسوله فيؤمن به ولا ينفعه.
فقال له الحجاج: من أين أخذت هذا؟ قال: أخذته من محمد بن الحنفية.
فقال له الحجاج: لقد أخذت من عين صافية.
وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: {قَبْلَ مَوْتِهِ} يعني قبل موت عيسى عليه السلام هكذا قال الحسن.
قال الفقيه: حدّثنا عمر بن محمد، قال: حدّثنا أبو بكر الواسطي، قال: حدّثنا إبراهيم بن يوسف، قال: حدّثنا يزيد بن زريع، عن رجل، عن الحسن في قوله: {وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: قبل موت عيسى، والله إنه لحي عند الله الآن، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون.
وروي عن ابن عباس أنه قال: يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين سنة نبيًا إمامًا مهديًا، ثم يموت وتصلي عليه هذه الأمة.
وقال الضحاك: يهبط عيسى عليه السلام من السماء إلى الأرض بعد خروج الدجال، فيكون هبوطه على صخرة بيت المقدس، ثم يقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويهدم البيع والكنائس، ولا يبقى على وجه الأرض يهودي ولا نصراني إلا آمن بالمسيح ودخل في الإسلام.
ثم قال تعالى: {وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} يعني يكون عليهم عيسى عليه السلام شهيدًا، بأنه قد بلغهم الرسالة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعِكرِمة: المعنى ليؤمِننّ بالمسيح {قبل موته} أي الكتابيّ؛ فالهاء الأُولى عائدة على عيسى، والثانية على الكتابيّ؛ وذلك أنه ليس أحد من أهل الكتاب اليهودِ والنصارى إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام إذا عاين الملك، ولكنه إيمان لا ينفع؛ لأنه إيمان عند اليأس وحين التلبس بحالة الموت؛ فاليهوديّ يقِرّ في ذلك الوقت بأنه رسول الله، والنصرانيّ يقرّ بأنه كان رسول الله.
وروي أن الحجاج سأل شهر بن حوشب عن هذه الآية فقال: إني لأوتي بالأسير من اليهود والنصارى فآمر بضرب عنقه، وأنظر إليه في ذلك الوقت فلا أرى منه الإيمان؛ فقال له شهر بن حوشب: إنه حين عاين أمر الآخرة يقِرّ بأن عيسى عبد الله ورسوله فيؤمن به ولا ينفعه؛ فقال له الحجاج: من أين أخذت هذا؟ قال: أخذته من محمد بن الحنفية؛ فقال له الحجاج: أخذت من عينٍ صافية.
وروي عن مجاهد أنه قال: ما من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن بعيسى قبل موته؛ فقيل له: إن غرِق أو احترق أو أكله السبع يؤمن بعيسى؟ فقال: نعم! وقيل: إن الهاءين جميعًا لعيسى عليه السلام؛ والمعنى ليؤمنن به من كان حيًا حين نزوله يوم القيامة؛ قاله قتادة وابن زيد وغيرهما واختاره الطبريّ.
وروى يزيد بن زُرَيْع عن رجل عن الحسن في قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: قبل موت عيسى؛ واللَّهِ إنه لحيّ عند الله الآن؛ ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون؛ ونحوه عن الضحاك وسعيد بن جبير.
وقيل: {لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} أي بمحمد عليه السلام وإن لم يجرِ له ذكر؛ لأن هذه الأقاصيص أنزلت عليه والمقصود الإيمان به، والإيمان بعيسى يتضمن الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام أيضًا؛ إذ لا يجوز أن يفرّق بينهم.
وقيل: {لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} أي بالله تعالى قبل أن يموت ولا ينفعه الإيمان عند المعاينة.
والتأويلان الأوّلان أظهر.
وروى الزهريّ عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لينزِلن ابن مريم حكما عدلًا فليقتُلَنَّ الدجال وليقتُلَنّ الخنزير وليكِسرنّ الصليب وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين» ثم قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال أبو هريرة: قبل موت عيسى؛ يعيدها ثلاث مرات.
وتقدير الآية عند سيبويه؛ وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمِنَنَّ به.
وتقدير الكوفيين: وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنَنّ به، وفيه قبح، لأن فيه حذف الموصول، والصلة بعض الموصول فكأنه حذف بعض الاسم.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} أي بتكذيب من كذبه وتصديق من صدّقه. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب} يعني وما من أحد من أهل الكتاب {إلاّ ليؤمنن به} يعني بعيسى عليه السلام وأنه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته هذا قول ابن عباس وأكثر المفسرين وقال عكرمة في قوله إلاّ ليؤمنن به يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا القول لا وجه له لأنه لم يجر للنبي صلى الله عليه وسلم ذكر قبل هذه الآية حتى يرجع الضمير إليه وقول الأكثرين الأولى لأنه تقدم ذكر عيسى عليه السلام فكان عود الضمير إليه أولى {قبل موته} اختلف المفسرون في هذا الضمير إلى من يرجع؟ فقال ابن عباس وأكثر المفسرين إن الضمير يرجع إلى الكتابي والمعنى وما من أحد من أهل الكتاب إلاّ آمن بعيسى قبل موت ذلك الكتابي ولكن يكون ذلك الإيمان عند الحشرجة حين لا ينفعه إيمانه قال ابن عباس: معناه إذا وقع في اليأس حين لا ينفعه إيمانه سواء احترق أو تردى من شاهق أو سقط عليه جدار أو أكله سبع أو مات فجأة فقيل له أرأيت إن خر من فوق بيت قال: يتكلم به في الهواء فقيل له أرأيت إن ضربت عنقه قال يتلجلج به لسانه وقال شهر بن حوشب إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة بأجنحتها وجهه ودبره وقالوا يا عدو الله أتاك موسى نبيًا فكذبت به فيقول آمنت إنه عبد الله ورسوله وتقول للنصراني أتاك عيسى نبيًا فزعمت أنه الله وابن الله فيقول آمنت أنه عبد الله فأهل الكتابين يؤمنون به ولكن حيث لا ينفعهم ذلك الإيمان وذهب جماعة من أهل التفسير إلى أن الضمير يرجع إلى عيسى السلام وهو رواية عن ابن عباس أيضًا والمعنى وما من أحد من أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وذلك عند نزوله من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتابين إلاّ من آمن بعيسى حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام قال عطاء إذا نزل عيسى إلى الأرض لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد يعبد غير الله إلاّ آمن بعيسى وأنه عبد الله وكلمته ويدل على صحة هذا القول ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» زاد في رواية: «حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها» ثم يقول أبو هريرة: «اقرؤوا إن شئتم {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن به قبل موته}» الآية وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لينزلن فيكم ابن مريم حكمًا عادلًا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية وليتركن القلاص فلا يسعى عليها وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد» أخرجاه في الصحيحين.
ففي هذا الحديث دليل على أن عيسى ينزل في آخر الزمان في هذه الأمة ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينزل نبيًا نبيًا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة بل يكون حاكمًا من حكام هذه الأمة وإمامًا من أئمتهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيكسر الصليب يعني يكسره حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه.
وكذلك قتله الخنزير وقوله ويضع الجزية يعني لا يقبلها ممن بدلها من اليهود والنصارى.
ولا يقبل من أحد إلاّ الإسلام أو القتل وعلى هذا قد يقال هذا خلاف منا هو حكم الشرع اليوم فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها منه ولم يجر قتله ولا إجباره على الإسلام والجواب أن هذا الحكم ليس مستمر إلى يوم القيامة بل هو مقيد بما قبل نزول عيسى عليه السلام وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنسخه وليس الناسخ هو عيسى عليه السلام يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
قال الزجاج هذا القول بعيد يعني قول من قال إن إيمان أهل الكتاب بعيسى إنما يكون عند نزوله في آخر الزمان قال لعموم قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن به} قال والذين يبقون يومئذٍ يعني عند نزوله شرذمة قليلة منهم وأجاب أصحاب هذا القول يعني الذين يقولون إن إيمان أهل الكتاب بعيسى إنما يكون عند نزوله في آخر الزمان بأن هذا على العموم.
ولكن المراد بهذا العموم الذين يشهدون ذلك الوقت ويدركون نزوله فيؤمنون به ويكون معنى الآية وما من أحد، من أهل الكتاب أدرك ذلك الوقت إلاّ آمن بعيسى عند نزوله من السماء وصحح الطبري هذا القول وقال عكرمة في معنى الآية وإن أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي فلا يموت يهودي ولا نصراني حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك عند الحشرجة حتى لا ينفعه إيمانه.
وقوله تعالى: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا} يعني يكون عيسى عليه السلام شاهدًا على اليهود أنهم كذبوه وطعنوا فيه وعلى النصارى أنهم اتخذوه ربًا وأشركوا به ويشهد على تصديق من صدقه منهم وآمن به قال قتادة معناه إنه يكون شهيدًا يوم القيامة إنه قد بلغ رسالة ربه وأقر على نفسه بالعبودية. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح، إذا نزل من السماء، وهذا قول ابن عباس، وأبي مالك، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي عند المعاينة، فيؤمن بما أنزل الله من الحق وبالمسيح عيسى ابن مريم، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والضحاك، وابن سيرين، وجويبر.
والثالث: إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي، وهذا قول عكرمة.
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} يعني المسيح، وفيه قولان:
أحدهما: أنه يكون شهيدًا بتكذيب من كذبه وتصديق من صدقه من أهل عصره.
والثاني: يكون شهيدًا أنه بلَّغ رسالة ربه، وأقر بالعبودية على نفسه، وهذا قول قتادة، وابن جريج. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} المراد بأهل الكتاب: اليهود والنصارى، والمعنى: وما من أهل الكتاب أحد إلا والله ليؤمنن به قبل موته، والضمير في به راجع إلى عيسى، والضمير في موته راجع إلى ما دلّ عليه الكلام، وهو لفظ أحد المقدّر، أو الكتابي المدلول عليه بأهل الكتاب، وفيه دليل على أنه لا يموت يهودّي، أو نصرانيّ إلا وقد آمن بالمسيح؛ وقيل: كلا الضميرين لعيسى، والمعنى: أنه لا يموت عيسى حتى يؤمن به كل كتابيّ في عصره.
وقيل: الضمير الأوّل لله؛ وقيل: إلى محمد، وقد اختار كون الضميرين لعيسى ابن جرير، وقال به جماعة من السلف، وهو الظاهر، والمراد الإيمان به عند نزوله في آخر الزمان، كما وردت بذلك الأحاديث المتواترة {وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ} عيسى على أهل الكتاب {شَهِيدًا} يشهد على اليهود بالتكذيب له، وعلى النصارى بالغلوّ فيه حتى قالوا هو ابن الله. اهـ.